تحذير السلف من مجالسة أهل الأهواء وسماعهم
عن أبي الجوزاء رضي الله عنه أنه قال: [[لأن يجاورني قردة وخنازير أحب إليَّ من أن يجاورني أحد منهم؛ يعني: أصحاب الأهواء]] إن من عرف السنة وعرف الدين الحق؛ فإن أهل الأهواء والبدع يكونون عنده -كما قال رضي الله عنه- أخس من القردة والخنازير.
ثم ذكر أثر ثابت بن عجلان حيث يقول: [[أدركت أنس بن مالك وابن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وطاوس ومجاهد وعبد الله بن أبي مليكة والزهري ومكحول والقاسم أبا عبد الرحمن وعطاء الخراساني وثابت البناني والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وحماد ومحمد بن سيرين وأبا عامر -وكان قد أدرك أبا بكر الصديق - ويزيد الرقاشي وسليمان بن موسى : كلهم يأمروني بالجماعة وينهوني عن أصحاب الأهواء، قال بقية -الراوي عنه-: ثم بكى -أي: ثابت بن عجلان رضي الله عنه- وقال: أي ابن أخي! ما من عمل أرجى ولا أوثق من مشيٍ إلى هذا المسجد، يوصيه بالصلاة]] . وهذا مهم، فنحن أحوج ما نذكر الناس بالتوحيد وقواطع الإسلام، ولا نغرقهم وندخلهم في متاهات، وهم مقصرون في أركان الإسلام وأسسه كما يفعل أهل الكلام.
ثم ذكر أثراً عن الحسن أنه كان يقول: [[لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم]].
ثم ذكر أثراً آخر: [[أنه دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث. قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله. قال: لا، قال: تقومان عني وإلا قمت، فقام الرجلان فخرجا، فقال بعض القوم: ما كان عليك أن يقرءا آية؟ قال: إني كرهت أن يقرءا آية فيحرفانها، فيقر ذلك في قلبي]] فانظر إلى حال السلف كيف كانوا يحرصون على قلوبهم حتى تبقى نقية، لأن المبتدع قد يقرأ آية ثم يفسرها بما يوافق هواه ويزين ذلك، ثم يقول لك: هذه الآية تدل على ما أقول، وكما قال عمر وعلي رضي الله عنهما: إن بعض آيات القرآن قد تدل على ما يقولون بوجهٍ ما من وجوه الدلالة؛ ولكننا عندما نجمع الأدلة ونستوفي أطراف المسألة نجدها لا تدل على ذلك، ولكن ما يدريك فلعل هذا المعنى الذي يقوله المبتدع يصادف موقعاً من قلب السامع، فربما أمرضه، والكلام في هذا كثير.
وهنا قصة: جاء رجل إلى ابن الجوزي فكلمه في رؤية الله وفي لقاء الله، ثم أخذ يبحث معه فقال له ابن الجوزي : أنت لابد أن تؤول، وإلا فماذا تقول في قول الله تعالى: ((فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ))[التوبة:77]، فهل المنافقون يرون الله أو يلقونه، فيلزمك أن تقول: لابد أن نتأولها. والشاهد أن الإنسان لا يأمن على نفسه لو جاءه مبتدع بشبهة، فإن لقاء الله حق، فيلقاه المؤمنون ويلقاه المنافقون، ولكن شتان بين الموردين والمصدرين، فهؤلاء يتلقاهم بغضبه وعقوبته، وأولئك يكون لقاؤهم بالبشرى والخير. لكن المقصود أن الشبهة قد تنغرس في العقول، وخاصة إذا كانت ممن لهم شأن ومكانة.